شهدت الأسواق العالمية في الآونة الأخيرة تقلبات غير مسبوقة بفعل الحروب التجارية التي أشعلتها قرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حيث فرضت واشنطن رسومًا جمركية جديدة على واردات من أكثر من 100 دولة.
في خطوة مفاجئة، أعلن البيت الأبيض عن رسوم تتراوح بين 10% و49% على مجموعة واسعة من السلع، ما أثار قلق المستثمرين في شتى أنحاء العالم وأدى إلى هزة كبيرة في أسواق المال.
4.9 تريليون دولار: الخسائر الفادحة التي لا يمكن تجاهلها
وفقًا لتحليل شركة “AJ Bell”، أثرت هذه الرسوم الجمركية بشكل بالغ على الأسواق العالمية، حيث تم محو حوالي 4.9 تريليون دولار من القيمة السوقية للأسهم العالمية في غضون أيام قليلة. ولم تقتصر هذه الخسائر على المستثمرين الأمريكيين فقط، بل امتدت لتشمل المستثمرين الأوروبيين والبريطانيين، الذين تكبدوا خسائر إضافية بسبب انخفاض قيمة الدولار مقابل العملات الأخرى، مما زاد من تعميق الأزمة.
الذهب والسندات: ملاذات آمنة في زمن الاضطراب
كما هو الحال في الأزمات الكبرى، انطلقت موجة من البحث عن الأصول الآمنة. ذهب المستثمرون إلى الذهب والسندات الحكومية الأمريكية باعتبارهما من أفضل الخيارات للحفاظ على أموالهم في ظل هذا التذبذب الكبير. ومع ذلك، بعضهم رأى في هذا الهبوط فرصة للشراء، حيث كانت أسهم مثل Nvidia وRolls-Royce وBarclays من بين الأكثر تداولًا هذا الأسبوع على منصة “Interactive Investor”. ومع ذلك، يجب أن يكون هذا سلوكًا حذرًا، فقد يكون محاكاة لفرصة قصيرة الأجل وليست دليلاً على عودة الثقة الكاملة في الأسواق.
هل تكون الأسهم الأمريكية فقاعة جديدة؟
الأسواق الأمريكية دائمًا ما تكون محل جدل بالنسبة للمستثمرين. تشير البيانات إلى أن نسبة الأسهم ضمن الأصول المالية للأسر الأمريكية تجاوزت 29%، وهي أعلى بكثير من مستويات ما قبل انفجار فقاعة الإنترنت في عام 2000. هذا المستوى المرتفع يثير تساؤلات حول مدى استدامة هذه التقييمات في ظل تصاعد التوترات التجارية، خاصة مع ارتفاع التقييمات بشكل غير مستدام في بعض الحالات.
مؤشرات السوق تُشير إلى ترقب وليس خوفًا مطلقًا
يعتبر بعض المحللين أن متابعة مؤشرات السوق مثل مؤشر Put/Call Ratio ومؤشر CBOE Skew هو أمر بالغ الأهمية في هذه المرحلة. في العادة، عندما يتفوق الطلب على خيارات البيع على خيارات الشراء، فإن ذلك يعد مؤشرًا على التشاؤم. ولكن في الوقت الراهن، تظهر هذه المؤشرات في مستويات متوسطة، ما يعكس أن الأسواق لم تدخل بعد في حالة ذعر تام، بل في مرحلة ترقب وانتظار.
التضخم… الخطر الصامت الذي يهدد الجميع
من بين التحديات الاقتصادية العميقة التي قد تنجم عن هذه الحرب التجارية هو التضخم. حيث توقعت “Fidelity International” أن هذه السياسات الجمركية قد تؤدي إلى صدمة تضخمية تقدر بـ1.8 نقطة مئوية. هذا الأمر سيكون له تأثير كبير على قدرة الاحتياطي الفيدرالي على خفض أسعار الفائدة في وقت يشهد ارتفاعًا حادًا في الأسعار. تقرير صادر عن جامعة أستون البريطانية حذر من أن استمرار هذه السياسات يمكن أن يقلص 1.4 تريليون دولار من الناتج المحلي الإجمالي العالمي ويؤثر سلبًا على دخل الفرد الأمريكي.
المستثمرون المحترفون يغيرون استراتيجياتهم: هل حان وقت الحذر؟
ومن أبرز التغيرات في المواقف الاستراتيجية هو إعلان مؤسسة CCLA البريطانية، التي تدير استثمارات الكنائس والجمعيات الخيرية، خفض تعرضها للأسهم بنسبة 5% في صناديقها المتعددة الأصول، مع رفع مخصصات السندات النقدية المرتبطة بالتضخم. ويقول المسؤولون في المؤسسة إنهم “لم يكونوا يرغبون في اتخاذ موقف دفاعي قبل اندلاع الحرب التجارية، لكنهم الآن يعتقدون أنها قد بدأت بالفعل”.
هل من الحكمة “اصطفاف القاع”؟
توقيت السوق هو أحد أكبر التحديات التي يواجهها حتى المحترفون، فمحاولة تحديد اللحظة المثالية للشراء قد تكون مخاطرة كبرى. معظم المحللين ينصحون باتباع استراتيجية “الاستثمار المتدرج”، والتي تقوم على شراء الأصول على فترات زمنية مختلفة لتوزيع المخاطر وتقليل التكاليف.
نصائح للمستثمرين: كيف تتجنب الخسائر في زمن الأزمات؟
-
التأني والتروي: القلق هو رد فعل طبيعي في الأوقات المتقلبة، لكن اتخاذ قرارات عاطفية يمكن أن يؤدي إلى خسائر دائمة.
-
راقب التضخم: يجب متابعة مؤشرات التضخم بعناية لتجنب العواقب الاقتصادية السلبية.
-
التنويع هو السر: من المهم توزيع الاستثمارات بين الأسهم، السندات، والمعادن الثمينة للحفاظ على التوازن المالي.
-
كن مستعدًا للتفكير بشكل مختلف: التفكير بعقلية “المستثمر المخالف” يمكن أن يكون مجديًا، ولكن يتطلب الحذر والتحليل المستمر.
-
تجنب الشائعات: اعتمد على التحليل الموثوق به ولا تندفع وراء الأخبار غير المؤكدة على وسائل التواصل.
مستقبل الأسواق: تحديات وفرص في الأفق
إذا استمرت السياسات الحمائية الأمريكية وتصاعدت التوترات مع الصين وأوروبا، فمن المتوقع أن تشهد الأسواق مزيدًا من التقلبات في الأشهر القادمة. الأسواق أصبحت أكثر حساسية للتصريحات السياسية، ما يضيف عنصرًا من عدم اليقين في الأسواق المالية. ومع ذلك، حتى في أوقات الأزمات، يمكن أن تظهر الفرص. المستثمر الذي يتمتع بالرؤية، والانضباط، والقدرة على تحليل المخاطر يمكنه الاستفادة من هذه التقلبات لتحقيق مكاسب طويلة الأجل.